بعد أن هُزِمَ المخطط الأمريكي - الصهيوني - الخليجي - التركي في إسقاط الدولة الوطنية السورية طيلة سنوات الحرب التسع، ها هي إدارة الرئيس دونالد ترامب تنتقل إلى إعلان الحرب على محور المقاومة عن طريق اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في قصف صاروخي استهدف موكبه في مطار بغداد، فجر الجمعة 3 كانون الثاني 2020.

فقد قررت إدارة ترامب تصعيد المواجهة ضد إيران، من خلال ارتكابها جريمة الاغتيال الأخيرة لتحقيق هدفين: أولاً، تجييش الشارعين العربي والإسلامي مذهبيا ضد إيران عبر تضخيم وتهويل خطر التمدد الشيعي - الفارسي. وثانياً، استدراج طهران إلى حرب مع الغرب والدول الإقليمية.

واستغل الرئيس دونالد ترامب التصعيد الأخير ضمن الاشتباك الأمريكي – الإيراني، الذي تمثل في عملية محاصرة السفارة الأمريكية في بغداد، ومحاولة قيادات وعناصر في قوات الحشد الشعبي اقتحامها، ردًا على استهداف الولايات المتحدة خمسة معسكرات لقوات "كتائب حزب الله العراق" في سورية والعراق، اتهمتها واشنطن بالمسؤولية عن قتل متعاقد أمريكي وجرح أربعة جنود في هجوم استهدف قاعدة أمريكية قرب كركوك، لكي يتوعد إيران بالمحاسبة، مضيفًا أن ذلك ليس تحذيرًا لإيران بقدر ما هو تهديدٌ لها. فمن وجهة نظر الرئيس الأمريكي ترامب يُعَدّ الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد بمنزلة الهجوم على السيادة الأمريكية، يتطلب ردًّا عسكريًا مباشرًا، تمثل في اغتيال الشهيد اللواء قاسم سليماني.

تُعَدُّ عملية تصفية قائد فيلق القدس، الجنرال الإيراني قاسم سليماني، بحجة أن الشهيد يعدّ خططاً لاقتحام السفارة الأمريكية في بغداد، وفي ذلك تهديد مباشر لسلامة المواطنين العاملين والدبلوماسيين الأمريكيين فيها وما يضمره من عداءٍ لمجمل السياسات الأمريكية، جريمة أمريكية - صهيونية بحق أهم رمز قائد لمحور المقاومة في المنطقة، إذ كشفت هذه الجريمة مرَّة أخرى أن السياسة الخارجية للرئيس ترامب هي استمرارية للسياسة الأمريكية الشرق أوسطية المعروفة جيدًا في العالم العربي، بوصفها سياسة تخضع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وليومنا هذا، لأدوات الضغط الصهيونية، ولاسيما منظمة "إيباك" التي أثبتت سيطرتها شبه المطلقة على السلطة التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية، أي الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب، الذي يتحكم بصورة كبيرة في عملية صرف الأموال لتنفيذ أية سياسة أمريكية.

فقد عادت على الساحة الحديث عن احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران، ثم دُعّمت هذه الاحتمالات مع ظهور علامات ومؤشرات تشير إلى أن واشنطن تعدّ عدتها لمهاجمة إيران، واستدل البعض على ذلك، مثلًا، بإحضار البنتاغون صواريخ مجهزة برؤوس مخصصة لتدمير المنشآت المحصنة، إلى قاعدة عسكرية أمريكية تقع في جزيرة دييغو غارسيا القريبة من السواحل الهندية، وبدت استعدادات كثيرة داخل الكيان الصهيوني ومناورات وتدريبات تعكس الإعداد لحرب هامة وكبيرة، في إقليم الشرق الأوسط.

احتمال وقوع الحرب

إنّ احتمال وقوع حرب كبيرة في منطقة الشرق الأوسط أمر وارد بشكل كبير، ولا سيما أن هناك اتجاهاً يمينياً في الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى اليمين الصهيوني المتطرف يدفعان باتجاه تفجير حرب إقليمية كبيرة، لحسم بؤر التوتر المزمنة في منطقة الشرق الأوسط، وفرض التسوية الإستسلامية لأزماته المستعصية، وأخيراً لتحقيق الانتعاش للاقتصاد الأمريكي الذي تراجع وتأثر نتيجة عدم الدخول في حروب واقعية.

فالاقتصاد الأمريكي بوصفه القاطرة التي تجر بقية الاقتصاد العالمي، لم يتمكن من الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالعالم منذ خريف سنة 2008، والحال هذه تصبح الحرب من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ضرورة تاريخية للخروج من مرحلة الكساد التي يعيشها العالم. كما أن الحرب ستقود إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط (100دولار أو ما يزيد للبرميل الواحد)، وستؤدي أيضاً استطراداً إلى زيادة الطلب على الدولار الأمريكي كوسيلة للمدفوعات النقدية في عمليات بيع وشراء النفط.

ويرى بعض الخبراء الروس أن ما حدث خلال فترة حكم الرئيس بوش الابن، سواء في العراق أو في أفغانستان، لم يكن حرباً بالمعنى الحقيقي المطلوب، بل على العكس كان تضييعاً للوقت استنزف الاقتصاد الأمريكي على مدى سبع سنوات دون نتائج إيجابية ملموسة. ما يؤكد المبررات المنطقية التي يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لشن حرب على إيران، هو تعالي الأصوات التي تدق طبول هذه الحرب داخل أمريكا نفسها، نظراً لأن العقوبات المسلطة على إيران لن تنجح في ثني إيران عن المضي قدماً في تنفيذ برنامجها النووي، وفي تقديم كل الدعم لمحور المقاومة.

بعض هذه الاصوات هي ذاتها التي دعت الى الغزو الأمريكي للعراق في 2003 وشجعته ودفعته. ويستشهد المتشددون الأمريكيون أن العقوبات وحدها لن توقف تمدد الدور الإقليمي الايراني. وفي نظر العديد من المحللين الأمريكيين فإن المشاريع المقترحة لإقامة نظم مضادة للصواريخ في بلدان الخليج إلى جانب "القبة الوقائية" في الكيان الصهيوني هي بمنزلة المؤشرات التي تدل على أن الخيار العسكري يتقدم في واشنطن، وأن الاستعدادات للحرب قائمة.

هل سيلجأ الرئيس ترامب إلى خيار الحرب؟

في نظر العديد من المحللين الأمريكيين فإن إدارة ترامب ستواصل انتهاج استراتيجية مزدوجة تقوم، أولاً، على إبقاء الباب مفتوحاً للمفاوضات والعمل في آن معًا على تطبيق العقوبات المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنتين الماضيتين على إيران، وثانياً، الاستعداد في الوقت نفسه لاحتمال توجيه ضربة عسكرية ضد إيران.

وبالمقابل، فإِنَّ إيران لديها حلفائها الذين يمكن لهم أن يقوموا بهجمات عسكرية على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها على الصعيد الإقليمي وحتى العالمي. لإيران تاريخ طويل في مثل هذه الهجمات في أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بدرجات نجاح متباينة. وفضلاً عن ذلك، تعتمد إيران على ثلاث قدرات عسكرية رئيسية، وهي برنامج الصواريخ البالستية، والقوات البحرية التي يمكن أن تهدد الملاحة في منطقة الخليج المنتجة للنفط، وحلفائها من القوى السياسية المسلحة في دول مثل سوريا والعراق ولبنان. وتقول إيران إنها تمتلك صواريخ موجهة شديدة الدقة وصواريخ كروز وطائرات مسيرة قادرة على ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، والوصول إلى إسرائيل عدوها اللدود. ويمكن لطهران أو لحلفائها مهاجمة ناقلات النفط في الخليج والبحر الأحمر، وممرات الملاحة، سواء النفطية أو غير النفطية التي تربط المحيط الهندي بالبحر المتوسط عبر قناة السويس.

خاتمة

من المعلوم أن قرار الإدارة الأمريكية بشن الحرب ضد إيران سيفجر سلسلة من ردود أفعال إيرانية ضد الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكية في المنطقة. فإيران قادرة على تحريك القوى الحليفة لها في المنطقة لفتح جبهة مع الكيان الصهيوني، وتحريك الشارع في العالمين العربي والإسلامي الذي يعادي السياسة الأمريكية في المنطقة بسبب انحيازها الأعمى للكيان الصهيوني، وهو لن يقف على الحياد. وإيران قادرة أيضا على تحريك الأحزاب العراقية الموالية لها ضد أمريكا في العراق، فتصبح القوات الأمريكية عرضة لهجمات مختلف أطياف الشعب العراقي على اختلاف طوائفه.

كما أن خيار الحرب، سيعزز من الوحدة الوطنية للشعب الإيراني، التي من المؤكد أنها ستنسى مشاكلها الاقتصادية، وتصاعد الغلاء والتضخم، وزيادة البطالة، لكي تتخندق في الخندق الواحد مع قيادتها السياسية، التي ستركز على ضرورة محاربة العدو القومي، الذي يريد إذلال إيران المسلمة، ومنعها من امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، ولعب إيران دورها الإقليمي المشروع.

إذا كانت مخاطر الحرب تعد كبيرة على الولايات المتحدة الأمريكية، لجهة تفوقها على إيجابياتها من ناحية، ولإخفاق الإدارة الأمريكية في العراق التي تريد التستر عليه من خلال البحث عن كبش فداء يتمثل في التركيز على دور إيران السلبي جدا من ناحية أخرى، فهل تستطيع إسرائيل أن تتعايش مع إيران النووية؟.

ويفضل قادة الكيان الصهيوني أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الضربة العسكرية المعقدة والمحفوفة بالمخاطر. فهم يعتقدون أن الأمريكيين مجهزون بصورة أفضل على صعيد الوسائط العسكرية في ميدان العمليات، وهم من دون أدنى شك يستطيعون أن يتحملوا النتائج الدبلوماسية لمثل هذه الحرب المدمرة. بيد أن الرئيس دونالد ترامب الذي يعاني من مشاكل الداخل الأمريكي، ومن التوترات مع العديد من القوى الدولية، يعلم جيدا أن خوضه الحرب ضد إيران، سوف يجره إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط، وهو يدرك أنه قد تخسر كثيرا في سورية، لا سيما أن استخدام القوة ليس مضمونًا.

وتستبعد إيران أي محادثات مع الولايات المتحدة ما لم تعد واشنطن إلى الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، وترفع جميع العقوبات التي فرضتها على طهران منذ انسحابها من الاتفاق عام 2018. وفي الوقت الذي يتكهن كثيرون بحرب عالمية ثالثة، تكشف السنوات الأربعون الأخيرة من تاريخ إيران أن أهم شيء بالنسبة للجمهورية الإسلامية هو بقاؤها على قيد الحياة. لا يمكن لطهران أن تتحمل تكلفة حرب شاملة مع الولايات المتحدة فيما تواجه عقوبات اقتصادية مرهقة واضطرابات داخلية، خصوصاً بعد استشهاد اللواء قاسم سليماني.

 بقلم توفيق المديني




C E


0
1473   
04:30:12 2020-01-11

التعليقات

حالة الطقس
booked.net

محليات

تحقيقات

الصحة والجمال